يُعتبر سرطان الثدي من أكثر الأمراض خطورة على صحة النساء، ومع تقدم التكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في تحسين طرق التشخيص والعلاج.
سرطان الثدي هو من أكثر أنواع السرطانات انتشارًا والسبب الرئيسي لوفيات السرطان بين النساء في العالم. ومع تطور مجال علم الأمراض الرقمي، أصبح الأطباء يَستخدمون الذكاء الاصطناعي في تشخيص سرطان الثدي كأداة لتحليل الصور المجهرية الرقمية للأنسجة. يهدف تطوير هذه التقنيات إلى تعزيز قدرات الأطباء وتمكينهم من تشخيص المرض بشكل أسرع وأدق، مما يسهل عليهم وضع خطط علاجية مناسبة لكل حالة.
استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص سرطان الثدي
يعتمد التشخيص التقليدي للسرطان على خبرة الطبيب المعالِج في تقييم المؤشرات الحيوية وتحديد درجة انتشار الورم وفحص شرائح الأنسجة، ولكن قد تتأثر هذه الخبرة الثمينة التي لا يمكن الاستغناء عنها بالقدرات البشرية المختلفة، مثل الإرهاق، والاختلاف في التقدير، بالإضافة إلى العدد الكبير من الحالات التي قد يتعامل معها الطبيب يوميًا.
هنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، إذ يتم تطوير خوارزمياتها لتتجاوز التحديات التي قد تواجِه القدرات البشرية، فهي قادرة على مسح آلاف الصور الرقمية خلال دقائق معدودة واكتشاف وجود علامات وأعراض غير ظاهرة قد لا يلاحظها الطبيب. واليوم، أصبح بإمكان الأطباء استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للحصول على تحليل أعمق للبيانات لزيادة فرص تشخيص السرطان وعلاجه.
أظهَرت دراسات حديثة أنه يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تصنِّف نوع سرطان الثدي والأورام السرطانية بدقة شديدة، فهي قادرة على اكتشاف نقائل العقد اللمفاوية والتجمعات الصغيرة للخلايا السرطانية التي قد لا تظهَر أثناء الفحص الروتيني. وقد أثبتت بعض الدراسات العالمية أن أداء هذه الخوارزميات قد يضاهي أو يفوق أداء الأطباء في الكشف عن انتشار سرطان الثدي في العقد الليمفاوية. وما يزال العلماء اليوم يطورون الذكاء الاصطناعي لتقييم المؤشرات الجزيئية المهمة والتنبؤ بدرجة استجابة المريضة للعلاج الكيميائي قبل جراحة السرطان.
اعتماد بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشخيص سرطان الثدي
حصَلت العديد من برامج وأنظمة منصات عِلم الأمراض الرقمي، مثل برنامج Philips IntelliSite Patology Solution، ونظام AISight Dx، وبرنامج PathPresenter Clinical Viewer، على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص السرطان، وهي خطوة مهمة نحو دمج هذه التقنية المتطورة في الممارسات السريرية. وتقدم هذه المنصات البنية الأساسية التي تعتمد عليها خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الأورام السرطانية وتصنيفها وتقييم المؤشرات الحيوية، مما يمهد الطريق لتوسيع نطاق استخدام علم الأمراض الرقمي في الممارسات الطبية اليومية.
التكامل بين القدرات البشرية وكفاءة الذكاء الاصطناعي في تشخيص سرطان الثدي
على الرغم من التطور الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي في علم الأمراض الرقمي، فإنها لا يمكن أن تحل مكان الأطباء، فهي أداة لمساعدتهم وتعزيز قدراتهم للوصول إلى نتائج أسرع وأكثر دقة. ومن الضروري أن يشارك الأطباء في جميع مراحل تطوير هذه التقنيات والأنظمة، بدءًا من تدريبها ووصولًا إلى التحقق من النتائج ووضعها في سياقها السريري المناسب. وعلى الرغم من قدرة الخوارزميات على التعرف على الأنماط المختلفة وتمييزها، فإن الأطباء هم المسؤولون عن تفسير النتائج ووضع خطة العلاج المناسبة. وبينما يتولى الذكاء الاصطناعي أتمتة العمليات الروتينية، مثل تحديد درجة انتشار الورم وتقييم المؤشرات الحيوية، يركّز الأطباء على الحالات المعقدة وتقديم الرعاية الشخصية للمرضى.
اقرأ أيضًا...
التحديات الأخلاقية والعلمية أمام الذكاء الاصطناعي في تشخيص سرطان الثدي
على الرغم من الطموحات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي في علم الأمراض الرقمي، ما تزال هناك تحديات كثيرة بحاجة إلى المعالجة، إذ يعتمد أداء الخوارزميات بشكل مباشر على جودة البيانات المستخدَمة في تدريبها، مما يجعل من الضروري تضمين جميع الفئات السكانية لضمان دقة النتائج وعدالتها عبر المناطق الجغرافية المختلفة. وقد يؤدي عدم التنوع في بيانات التدريب إلى انحياز النتائج أو تفاوتها بين الفئات المختلفة. لذلك، فإن تمثيل جميع الفئات السكانية شرط أساسي لتحقيق العدالة والدقة. كما يتطلب اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في علم الأمراض الرقمي أطراً تنظيمية واضحة وشفافية كبيرة في تصميم الخوارزميات إضافة إلى التحقق السريري من فعاليتها.
وتعمل العديد من هذه النماذج كصناديق سوداء دون توضيح كيفية الوصول إلى النتائج، مما يثير التساؤلات. ويجب مراعاة الاعتبارات الأخلاقية المتعلقة بخصوصية البيانات والمساءَلة، فضلاً عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لاستخدام هذه الأنظمة في البيئات الطبية. لذلك، من الضروري التحقق من أنظمة الذكاء الاصطناعي لضمان دقة عملها، وحماية بيانات المرضى، وتطوير حلول عادلة ومنصفة لجميع الفئات في المجتمع، خاصة في الدول ذات الموارد المحدودة.
تَهدف الأنظمة الحديثة إلى دمج علم أمراض الأنسجة مع التصوير الإشعاعي والبيانات الوراثية وغيرها من المعلومات السريرية، وذلك لإنشاء نماذج تنبؤية شاملة قادرة على تحديد درجة استجابة المريضات للعلاج أو خطر عودة المرض بدقة تفوق الأساليب التقليدية الأحادية النموذج. ومع تطور الأنظمة القابلة للتفسير، ستزداد ثقة الأطباء بهذه التقنيات وستسهل أطر التعليم الموحدة التي تَعتمد على الحوسبة السحابية إمكانية التعاون العالمي بين المؤسسات لتدريب النماذج دون الحاجة إلى تبادل بيانات المرضى، مما يعزز الخصوصية ويحافظ عليها. وختامًا، تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي كشريك ذكي على مدى رحلة رعاية مرضى السرطان، بدءًا من الفحص المبكر وحتى التخطيط العلاجي، لمساعدة الأطباء في تشخيص المرض بشكل أسرع واتخاذ قرارات علاجية أدق، بما ينعكس إيجابًا على تحسين النتائج الصحية للمرضى.
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يتوقع أن تحدث ثورة في كيفية التعامل مع سرطان الثدي، مما يوفر فرصًا جديدة لتحسين النتائج الصحية للمرضى.