تعتبر الذكريات جزءًا أساسيًا من هويتنا، لكن هل هي دائمًا دقيقة؟ في هذا المقال، نستكشف كيفية تغير الذكريات وتأثير ذلك على حياتنا.
أثناء العمل مع مريضة تعرضت للخيانة الزوجية من زوجها، أخبرتني أن العديد من ذكرياتها “شوهت”. قالت: “أعود بذاكرتي إلى ما كنت أعتقد أنه ذكريات سعيدة، ولكن الآن، بعد معرفة ما كان يحدث في ذلك الوقت، تبدو تلك الذكريات كلها مزيفة بالنسبة لي. لقد كانت مبنية على تجربة مشتركة لم تكن حقيقية، ولم تعد تجعلني ابتسم.” المعلومات الجديدة اليوم قد غيرت ذكرياتها عن الماضي.
نحن نعتز بذكرياتنا، فتاريخنا هو ما يمنح حياتنا معنى ويشكل هويتنا. نحن نعتبرها موجودة في مخزن يمكننا زيارته عندما نحتاج أو نريد ذلك. ومع ذلك، فقد تبين أن الذكريات ليست سجلات ثابتة. بل هي عمليات إعادة بناء ديناميكية، تتم مراجعتها في كل مرة نقوم باسترجاعها.
“المربع والأرشيف” مقابل “القابل للتغيير”
النظرة التقليدية للذكريات هي نموذج “الصندوق والأرشيف”، حيث يتم إنشاء الذاكرة وتخزينها للاستخدام المستقبلي. لكن في عام 2013، اكتشف الباحثان ألبريني وليدوكس أن ذكرياتنا تتغير في كل مرة نسترجعها. لقد وجدوا أن مجرد استرجاع الذاكرة يزعزع استقرارها ويجعلها عرضة للمراجعة بناءً على وجهات نظرنا ومشاعرنا وتأثيراتنا الحالية. وهذا يعني أنه عندما تصبح الذاكرة مستقرة ومتكاملة، فإنها قد تم تغييرها. إذن، كل فعل تذكر هو لحظة تغيير ما نتذكره.
علاوة على ذلك، صنف عالم النفس دانييل شاكتر أخطاء الذاكرة إلى سبع فئات أساسية: الزوال، وشرود الذهن، والحجب، وسوء الإسناد، وإمكانية الإيحاء، والتحيز، والمثابرة. يقدم كل خطأ من هذه الأخطاء رؤى تتعلق بالطبيعة البناءة للذاكرة، ويسلط العديد منها الضوء على قابلية الإيحاء: كيف يمكن للاقتراحات الخارجية، أو الأسئلة المضللة، أو الروايات الجديدة أن تتسلل إلى الذاكرة. ونرى هذا بشكل أكثر وضوحًا عندما ينتهي الأمر بالناس بذكريات كاذبة أو عندما يتم دحض شهود عيان لجريمة ما. كما أنه يتماشى أيضًا مع نظرية إعادة الدمج لألبريني ولودو، حيث أن استرجاع الذاكرة يفتح الباب أمام التشويه.
وبالتالي، فإن ذاكرة الماضي تخضع لعواطفنا ومواقفنا ومعارفنا ومدخلاتنا الاجتماعية الحالية. لقد عملت ذات مرة مع عميل كان أحد الجيران يداعبه لفترة وجيزة عندما كان طفلاً. قال لي: “لقد كنت في حيرة من أمري ولم يعجبني ذلك، وابتعدت عن الجارة منذ ذلك الحين. لكنني لم أجدها تجربة مؤلمة، رغم أن الجميع يسميها صدمة. هل هناك عيب في أنني لا أشعر بالصدمة منها؟” لقد كان يكافح من أجل محاولة إعادة تفسير مشاعره في ضوء المعتقدات الجديدة والفهم الذي اكتسبه كشخص بالغ، بينما كان يحمل في الوقت نفسه إمكانية وجود حقيقة لتجربته الأصلية. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، لا يكون الناس مدروسين أو حذرين. يمكن لروايات الآخرين وتفسيراتهم وتحيزاتهم ومعتقداتهم أن تعيد تشكيل ذاكرتنا دون أن ندرك.
الحقيقة العاطفية مقابل الحقيقة الواقعية
هناك طبقة أخرى من الذاكرة تتعلق بالحقيقة العاطفية مقابل الحقيقة الواقعية. الحقيقة العاطفية هي ما قد يعتقد شخص ما أنه حدث بسبب مشاعره تجاهه، بغض النظر عن الحقائق الموضوعية. وهذا هو السبب الذي يجعل شخصين يتذكران نفس الحدث بشكل مختلف تمامًا. يمكن أن يفسر هذا أيضًا سبب شعور الأشخاص “بالجنون” بسبب حساب شخص آخر، حتى لو لم يحاول هذا الشخص عن عمد إنشاء هذه التجربة. وبالمثل، فإن الإثارة العاطفية أثناء حدث ما يمكن أن تعزز بعض ميزات الذاكرة ولكنها يمكن أن تشوه ميزات أخرى أيضًا.
اقرأ أيضًا...
الذاكرة كعملية متطورة
تعتبر الحقائق المتعلقة بالذاكرة أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لنا لنأخذها في الاعتبار عند ممارسة العلاج النفسي والقانون، حيث يمكن أن تكون التداعيات عميقة جدًا. في الشر على طاولتنا في مذكراتي عن عملي كطبيبة نفسية شرعية، أتحدث عن كيفية إجراء مقابلات مع المجرمين، لكن تقييمي يعتمد، قدر الإمكان، على الحقائق مقابل الذكريات. في العلاج النفسي، يمكن للمعالج أن يلعب دورًا محوريًا في كيفية تذكر الشخص للتجربة، والتي بدورها يمكن أن يكون لها تأثير كبير على تعافي الشخص. يجب إعادة النظر في الذكريات بتواضع بشأن قابليتها للتطويع. من المهم أن نكون واعيين عندما نتذكر أن ذكرياتنا قد تتغير وتتحول. إذا كان ذلك ممكنًا، يمكننا استخدام مذكراتنا أو سجلات أخرى أو حسابات أخرى للمساعدة في تثبيت ذكرياتنا في الحقيقة الواقعية، وليس فقط الحقيقة العاطفية (التي يمكن أن تكون عرضة للتأثير أيضًا). من المهم أيضًا بالنسبة لنا أن نكون حذرين في المحادثة مع الآخرين بشأن توخي الحذر بشأن الأسئلة التوجيهية أو الموحية. الذاكرة ليست تسجيلا سلبيا يصبح ثابتا، بل هي عملية حية ومتطورة. وبعبارة أخرى، فإن الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالاعتماد على الذاكرة البشرية، قد لا تكون واضحة المعالم كما نود أن نصدق.
المصدر: Psychology Today: The Latest
في النهاية، يجب أن نتذكر أن الذاكرة ليست مجرد سجل ثابت، بل هي عملية ديناميكية تتأثر بعواطفنا وتجاربنا الحالية.