تعتبر الولادة الوحشية موضوعًا مثيرًا للجدل في عالم الحمل والولادة. في هذا المقال، نستعرض المخاطر والحقائق المتعلقة بهذا الاتجاه المتزايد.
ما هي حقيقة ترند الولادة الوحشية أو الحمل الوحشي؟
تشير الولادة الوحشية أو الحمل الوحشي (Wild Pregnancy) إلى توجّه بعض النساء إلى خوض الحمل دون أي متابعة طبية – أي بدون فحوصات منتظمة، وبدون زيارات للطبيب أو القابلة، والاعتماد على حدسهنّ فقط. ويرتبط هذا غالبًا بمفهوم “الولادة الحرة” (Freebirth) أي الولادة دون أي مراقبة طبية أو تدخل من ممرّضة قابلة محترفة. وهناك جماعة مؤثرة تُدعى Free Birth Society (FBS) لها دور كبير في نشر هذا الفكر، من خلال بودكاست وفي دورات مدفوعة واستشارات روحية.
والقائدتان البارزتان في الحركة هما إميلي سالدايا ويولاند نوريس-كلارك. تروج هذه الحركة لأفكار مثل “المسؤولية الراديكالية” (radical responsibility)، حيث يتم تشجيع النساء على قبول جميع النتائج المحتملة للولادة، حتى وإن كانت فقدانَ الجنين، دون اللجوء إلى الطوارئ أو المستشفى.
الولادة الوحشية والمخاطر الصحية لهذه الممارسة
من منظور طبي، هناك عدة مخاطر لممارسة الولادة الوحشية، خاصة عند التخلي الكامل عن الرعاية الطبية:
أولا: مضاعفات الحمل التي قد تكون غير متوقعة
حتى في حالات الحمل غير المعقدة، قد تظهَر مضاعفات مثل تسمم الحمل (ارتفاع ضغط الدم لدى الحامل)، أو النزيف، أو مشاكل المشيمة. وبدون متابعة طبية، فإن هذه الحالات قد لا تُكتشَف في الوقت المناسب. وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، الرعاية من محترفين مؤهلين قبل وأثناء وبعد الولادة تساهم في تقليل الوفيات.
ثانيا: مضاعفات الولادة
بعض المشكلات أثناء الولادة تحتاج تدخلًا سريعًا، مثل عسر ولادة الكتف، أو خنق الحبل السري، أو انخفاض الأكسجين للجنين. وهناك تحذير من خبراء طبيين بأن نصائح بعض مؤيدي الولادة الوحشية قد تكون خطيرة، مثل قولهم إنه من الآمن أن يُولد الطفل “أزرق” (blue baby) بدون تدخل، بينما هذا قد يدل على نقص أكسجة والحاجة إلى إنعاشٍ سريع. كما يقترح مؤيدو هذه الولادة طرقًا غير علمية لمعالجة النزيف بعد الولادة: مثلاً، يُنصح بقضم قطعة من الحبل السري للتعامل مع النزيف، وهو توصية لا أساس علمي لها ويمكن أن تكون خطيرة.
ثالثا: وفيات أو إصابات للمواليد
أثبت تحقيق استقصائي من صحيفة الغارديان أن الولادة الوحشية ارتبطت بنحو 48 حالة وفاة جنين/طفل حديث الولادة أو إصابات خطيرة في دول متعددة. وبعض الحالات توضح أن توجيهات هذه الحركة قد أثّرت على قرارات الأمهات في اللحظات الحرجة من الولادة، وربما ساهم ذلك في نتائج يمكن تجنبها. كما أن مؤسِّسة الحركة التي تروج لممارسة الولادة الوحشية، إميلي سالدايا، أعلنت مؤخرًا عن وفاة جنينها في حملها، ما يثير تساؤلات حول مصداقية ادعاءات الأمان المطلق لهذه الممارسة.
رابعا: مخاطر العدوى وعدم النظافة
في الولادات المنزلية غير المراقبة أو في بيئات غير مؤهلة، قد يكون خطر العدوى أكبر، خصوصًا إذا لم تكن البيئة معقمة، أو لم يكن هناك تجهيزات طبية لمعالجة النزيف، أو للتعامل مع مضاعفات ما بعد الولادة. كما أن بعض الولادات المائية (مثل الولادة في حوض ماء) تزيد من مخاطر العدوى إذا لم يتم التحكم في درجة حرارة الماء وتعقيمه.
اقرأ أيضًا...
خامسا: تجاهل الحاجة للرعاية الطبية الطارئة
يرتكز المعتقد الأساسي لممارسة الولادة الوحشية على أن التدخل الطبي “يُعرّض السيدة والطفل للجروح أو يُسلب المرأة من قوتها الطبيعية”، لكن في حالات الطوارئ الصحية، التأخير في طلب المساعدة قد يكون قاتلاً. كما يعبّر بعض الأطباء أن هذا الفكر قد يقلّل من قيمة الفحوصات الضرورية: فحص دقات قلب الجنين، وفحص ضغط الدم، وفحص نمو الجنين، وكلها مهمة لكشف المشاكل مبكرًا.
وجهة نظر الأطباء والخبراء
- العديد من الأطباء والقابلات يصفون هذا الاتجاه بأنه “خطير جدًا”.
- في تقرير من ABC News، تحدثت أمهات عن تجارب مؤلمة: بعضهنّ انتقلنَ إلى المستشفى بعد بدء الولادة في المنزل أو بعد مضاعفات، والبعض تعرضنَّ لممارسات غير علمية من حارسات الولادة، وهنَّ سيدات يحضرنَ ولادة الحامل.
لماذا ينجذب البعض إلى ترند الولادة الوحشية؟
من المهم فهم العوامل التي تدفع بعض النساء لهذا التوجه:
- فقدان الثقة في النظام الطبي: بعض النساء عانينَ من تجارب سابقة من “العنف التوليدي” (birth trauma) في المستشفيات، أو يشعرنَ أنهنّ لم يُحترمنَ أثناء الولادة في المستشفيات، فيلجأنَ إلى بدائل “أكثر روحانية” أو “طبيعية”.
- الجاذبية الروحانية/الحدس الأنثوي: تُروّج هذه الحركة لأفكار “عودة إلى الطبيعة” و”استعادة الحكمة الأنثوية”، مما يجذب مَن يفضلنَ نهجًا غير طبي.
- التجارية/الربحية: فقد كشَفت التقارير، أن هناك مكوَن تجاري ضخم وراء هذه الحركة، فمروِّجوها يجنون آلاف الدولارات وراء هذه الدورات غير المعتمَدة.
- معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي: بعض المؤثرات على إنستغرام وTikTok يشجّعنَ هذا النهج ويصورنَ الولادات بدون تدخل طبي وكأنها تجربة “سحرية”.
كلمة من موقع صحتك
نعم، ترند “الحمل الوحشي أو الولادة الوحشية” موجود، ويُروَّج له بقوة على الإنترنت من قِبل بعض المؤثِّرات والجماعات. لكن من وجهة نظر طبية، هناك مخاطر كبيرة جدًا، تشمل وفاة الجنين، ومضاعفات الولادة، ونقص الأكسجة، والعدوى، والنزيف.
والرعاية الطبية أثناء الحمل والولادة ليست “تفريطًا” في القوة الأنثوية، بل هي وسيلة لحماية الحياة، حياة الأم والجنين، من المخاطر التي قد لا تُرى أو لا يُتوقع حدوثها. ومن المهم لأي امرأة تفكر في هذا المسار أن تدرس جيدًا الحقائق والمخاطر وليس فقط الجوانب الطبيعية والحدس، وأن تستشير طبيب توليد أو قابلة مؤهّلة، حتى لو قررت الولادة في المنزل، وأن تضع خطة طوارئ واضحة: ما الذي ستفعله إذا ظهَرت مضاعفات؟ كيف ستنتقل للمستشفى إذا لزم الأمر؟
في النهاية، من المهم أن تكون كل امرأة على دراية بالمخاطر المرتبطة بالولادة الوحشية وأن تستشير الخبراء قبل اتخاذ أي قرار.